الشيخ علي الدقر. فاتخذ عمامة لها عَذَبَتان، كان ينفرد بها لا يشاركه أحد في حمل مثلها. وأخذ على نفسه ألاّ يسمع بسنّة من سنن الرسول عليه الصلاة والسلام إلاّ فعلها، فقرأ أن الرسول كان شعره يصل تارة إلى منكبَيه وتارة إلى شحمتَي أذنيه فأطال شعره، وكان مثل أسلاك الذهب. وعمل بعد تَرْكه الجيشَ في بيع العطر في سوق البزوريّة في الشام الذي يقصده السياح، فصار فرجة السائحات من النساء يقفنَ عليه ويصوّرْنَه.
وكان فنّاناً رسّاماً، فلما سمع أن الرسم حرام ترك رسم الأحياء. وصنع شجرة لآل الخطيب (وهم أسرة أمي وزوجتي) وهي من الأسر التي تدّعي أنها متصلة النسب بالسيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام، والله أعلم بصدق الدعوى، فما نكذّب أحداً في نسبه ولا ينبغي لنا، ولا نستطيع أن نصدّق كل مدّعٍ شرفَ النسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. فصنع شجرة على لوحة من القماش المشمَّع طولها سبعة أمتار وعرضها أربعة وضعها في صدر إيوان الدار، لمّا كنا نسكن تلك الدور الشامية التي كانت مصيفاً ومشتى وكانت داراً وبستاناً، وكانت قصوراً يضحك فيها الرخام والمرمر وتغنّي فيها النوافير فوق البِرَك، ويُزهِر فيها الفلّ ويعرش الياسمين وتمتدّ فوق سطحها دوالي العنب، هذه الدور التي قفزت البحر المتوسط -بطوله لا بعرضه- فوصلت إلى الأندلس وإلى المغرب، ولا تزال موجودة فيها. فلما أصابتنا النكسة في عاداتنا وهجرنا هذه الدور، وسكنا صناديقَ من الإسمنت ليس فيها بِرَك يجري فيها الماء ولا أشجار يتدلى منها الثمر ويرقص على أفنانها الزهر، ولا تستر نساءنا ولا تكتم