أسرارنا، ودَنَت سقوفها من الأرض فخفضنا لذلك رؤوسنا ... لمّا كان ذلك لم يعُد لهذه الشجرة مكان، فكلّمتُ متحف الفنون الشعبية فاشتراها بألف ليرة من نحو أربعين سنة، وهي تعدل اليوم أكثر من عشرين ألفاً.
وهذه الدار إحدى الأعاجيب، ولعلّي أعود يوماً إلى الكلام عنها.
* * *
ومن الصور الرمضانية في مصر اثنتان كنت في كليهما مع الأستاذ الزيات؛ أخذني أولاً إلى قصر عابدين وقد مُلئت ساحته بالكراسي وفُتحت أبوابها للداخلين، وجاء الملك فاروق بالقرّاء يقرؤون القرآن بالأنغام ويعدّدون القراءات، فمن رواية حفص عن عاصم إلى وَرْش عن نافع إلى غيرهما، وكلما ازداد تعداد القراءات والتنقل بين المقامات والتفنّن في النغمات كان ذلك أدعى لإعجاب الناس وقولهم: الله، الله، ما شاء الله، الله أكبر! كأنهم يسمعون أحد المغنّين أو إحدى المغنّيات في ملهى من الملهيات، والله يصف المؤمنين بأنهم الذين {إذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلوبُهم، وإذا تُلِيَتْ عَليهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إيماناً}، فهل زادت هذه الآيات السامعين إيماناً أم زادتهم طرباً؟
لقد عدّها الناس يومئذ مزيّة للملك فاروق. وتلاوة القرآن في مصر تُعَدّ قربة لذاتها، ومن عادة الوجهاء والكبراء أن يفعلوا مثل الذي فعل الملك فاروق، بل إنه أراد القربة إلى الله والتحبّب إلى الناس بأن يفعل مثلما فعلوا. حتى إن من التجار من يأتي بقارئ