يتلو شيئاً من القرآن عندما يفتح محلّه صباحاً قبل أن يزاول عمله. وهذا حسن، ولكنهم يخلطونه بآخر سيّئ هو أنه لا يُصغي أحدٌ للقارئ ولا يتدبّر معنى ما يسمع منه، فكأن القرآن عندهم كلمات مُعَدّة للتلحين لا يُراد منها إلا التغنّي بها.
ولقد سمعت مرة قارئاً يتلو قوله تعالى:{خُذُوهُ فغُلُّوهُ، ثمّ الجحيمَ صَلّوهُ، ثمّ في سِلْسِلةٍ ذَرْعُها سَبْعونَ ذِراعاً فاسْلُكُوه}، هذا الكلام الذي ترتجف له القلوب من الخوف ومن شدة الوعيد كان يقرؤه القارئ بنغمة السيكا (وهي نغمة مرقّصة) وهم يتمايلون طرباً كأنهم لا يفكّرون بمعنى ما يسمعون! أفهؤلاء ممن يتدبّر القرآن؟ هل فهم هؤلاء معنى ما يقرأ القارئ ويسمعون؟
وإنك لتجد في رمضان في بيت الله الحرام خمسين ألفاً بأيديهم المصاحف يقرؤون القرآن، ولكن لا تجد خمسين منهم يفهمون أو يفكّرون في أن يفهموا معاني ما يقرؤون. فلو أن رجلاً أخذ الجريدة فقرأها من العنوان إلى آخر ما نُشِر فيها من إعلان، ثم سألتَه عن الأخبار التي كُتبت بالعناوين الكبار فقال لك: إني لا أدري. هل تراه قد قرأ؟ وهل القراءة أن نحرّك الألسنة بالحروف أو أن نفهم المعاني التي تحملها الحروف؟
على أني لا أُنكِر أن لقارئ القرآن أجراً على كل حال؛ له على كل حرف يقرؤه أجر، ولكن الله يقول:{أفلا يَتَدبّرونَ القُرآنَ أمْ على قُلوبٍ أقْفَالُها؟}، فمتى نكسر هذه الأقفال حتى نفهم ما يُقال؟