للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما أطللنا من النافذة ورأينا ما في تلك العمارات عرفت سرّ محاولته صرفي عن المبيت فيها. ذلك أن وراء صف العمارات القائمة على أكبر ساحة في المدينة حيّ كامل هو حيّ البغاء، فيه كما علمت المومسات وعلى أبوابهن لوحات بأسمائهن والأضواء ساطعة فيه والمنكَرات معلَنة. شيء ما كنت أظنّ أن مثله يكون في بلد من بلاد العرب وبلاد المسلمين (١).

ولم أكن أعرف من الفنادق الكبرى الممتازة (كما يدعونها) إلاّ فندق سان جورج، أراه من ظاهره ضخماً متربعاً على الشط لم أدخل جوفه، فلما خبّرونا أن الشركة ستُنزِلنا أنا وزوجتي على حسابها في فندق ممتاز لأننا من ركّاب الدرجة الأولى في الطيارة حسبت أنهم سيُنزِلوننا فيه، وإذا هم ينزلوننا في أخ له لعلّه أضخم منه فرشاً من الداخل، ولكن ليست له هيئته ولا هيبته من الخارج، وقد قال العارفون إنه إن لم يَفُقْه لم ينزل في درجته عنه.

ولم أستطع أن أنام إلاّ سويعات متقطعات، لأن من عادتي أن يطير النوم من عيني إذا كان عندي موعد صغير أفكّر فيه أخاف أن يفوتني، فكيف وأنا مُقدِم على أصعب رحلة في حياتي؟ ولقد رحلت من قبل إلى أقصى الشرق وسلكت الصحراء، ولكني كنت


(١) ومن عجيب ما رأينا لمّا أطللنا من النافذة قبل أن ندع الغرفة، واحدة من نساء المحل (أي من المومسات) بالحجاب الشرعي والخمار الأبيض والسبحة في يدها، لأننا كنا في آخر شهر رمضان. فهي تتوب فيه وتدع ما كانت فيه! فلا ييأس الدعاة إلى الله، فما دام في القلب بقية من إيمان فالإصلاح ممكن.

<<  <  ج: ص:  >  >>