عرفتُ من قبل طرفاً من إفريقيا لمّا ذهبت إلى مصر، ثم أوغلت في آسيا لمّا سافرت إلى السند والهند والملايا وجاوة، ولكن هذه هي أول مرة أزور فيها أوربا.
وأصبحنا وذهبنا إلى المطار. وكان مطار بيروت يومئذ أكبر مطار رأيته في عمري، لا تكاد تهبط فيه طيارة حتى ترتفع منه أخرى، ولقد شبّهته يوماً بهذه الحياة الدنيا: نكون حول المائدة نتغذى أو نشرب الشاي، لا ندري متى تقوم طياراتنا بالضبط، فنسمع من المكبّر أسماء ناس منا يُدعَون إلى الطيارة المسافرة إلى باريس وناس إلى التي تقصد كراتشي والثالثة التي تذهب إلى أواسط إفريقيا، أليس هذا هو مثال الحياة الدنيا؟ نجتمع فيها على الطعام والشراب والحديث والعمل، لا ندري متى يُدعى الواحد منا إلى السفرة الطويلة التي لا يؤوب منها والتي لا يدري غايتها، لا يعرف هل يُدعى إلى الجنة والنعيم المقيم فيها أم إلى النار والعذاب الدائم، ونحن في غفلة ننسى مصائرنا، وننسى أن حياتنا على هذه الأرض حياة موقوتة، وأن مردّنا إلى الله، وأن الآخرة لَهي الحيوان، أي الحياة الدائمة الباقية. نسأل الله أن يوقظ قلبي وقلوبكم، وأن يردّنا جميعاً إلى دينه، وأن يحسن خواتيمنا.
وقامت بنا الطيارة في موعدها المحدَّد لها، لم تتقدم عنه دقيقة ولم تتأخر عنه دقيقة. وهذه إحدى صفات المؤمنين، تَخلّينا نحن عنها وتمسّكوا هم بها. أليس من شأن المؤمن ضبط المواعيد؟ أليست مواعيدنا الإسلامية على الدقيقة؟ أليس الذي يفطر في رمضان قبل غروب الشمس بدقيقة يكون قد أفسد صيامه ووجب عليه القضاء؟ أليس الذي يصلّي قبل حلول وقت الصلاة