للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه؟ فتصوّروا حقائبي على رصيف الشارع وأنا وزوجتي واقفان، وقد برّح بنا التعب فلم تعُد تستطيع الوقوف. وندمت على ترك الغرفة، لأن غرفة بلا حمّام خيرٌ من النوم على الرصيف ... هذا إن تركونا ننام عليه ولم يقبضوا علينا قبضهم على المشرَّدين فيكون مبيتنا في السجن! هنالك بلغتُ من اليأس قرارته وضاقت بي المسالك، بل لقد سُدّت في وجهي السبل. وحين تُسَدّ سبل الأرض كلها لا يبقى إلاّ سبيل واحد لا يُسَدّ أبداً ويظلّ دائماً مفتوحاً لا يردّ قاصداً، هو سبيل السماء، هو الدعاء، هو أن تدعو الله مخلصاً له الدين واثقاً من كرمه بالإجابة.

وشرح الله صدري فذكرت أن السيارة لم تمشِ من الفندق الكبير إلى هذا الذي تركتُه إلاّ قليلاً، فهو إذن قريب. فجعلت أمشي على مهل حتى لا تضيع مني زوجتي، أتلفّت إليها تارة وأنظر أمامي تارة أتفرّس في وجوه الناس، حتى وجدت وجهاً يُشعِر بالطمأنينة فسألته بالفرنسية عن الفندق الكبير، ففهم والحمد لله عني ودلّني، فإذا هو قريب، فذهبنا إليه. والمصيبة في ما رأينا من المحطات والمطارات أنه ليس في شيء منها حمّالون كالذي نراه في بلادنا، وإنما فيها عربات صغار يوضع فيها المتاع وتُدفَع بالأيدي. لكنني في شارع، فمن أين آتي بالعربة؟ فأخذتُ سيارة أجرة وقلت له: خذني إلى الفندق الكبير. وكلمة فندق (أوتيل) تكاد تكون كلمة عامّة يفهمها الناس كلهم على اختلاف ألسنهم، وعجبتُ من نفسي كيف لم يخطر لي من أول الأمر أن أركب سيارة توصلني إليه.

ودخلت الفندق وسألت عن صاحبي فوجدته مع عميله

<<  <  ج: ص:  >  >>