للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الألماني قد بسطوا دفاترهم يتكلمون، فلما رآني ترك ما هو فيه جزاه الله خيراً وجعل همّه مساعدتي. ولم نكن قد أكلنا شيئاً ولا صلّينا الظهر (وإن نوينا الجمع)، فأخذنا إلى غرفة في الفندق كانت خالية استأجرناها إلى غروب الشمس فقط، فاسترحنا وأكلنا وصلّينا. ورجعت إلى صاحبي أسأله: ما العمل؟ قال عميله: لِمَ لا تذهب بالقطار؟ قلت: إن السفر بالقطار أحب إليّ، ولكن هل يمضي رأساً إلى آخن؟ قال: بل لا بدّ من تبديله في بلدة كذا (ولقد نسيت الآن اسمها). قلت: هلمّ بنا.

وكانت محطة القطار مواجهة الفندق في الشارع الذي كنا فيه، فذهبنا إليها، وسألته أن يقطع لي تذكرة في الدرجة الأولى، فحاول أن يُفهِمني (وكان يعرف كلمات من العربية) أن الثانية قريبة من الأولى وهي أرخص منها، ولكني لخوفي من المشقّة ورغبة في الراحة بعد ما رأيت من التعب أصررتُ على الدرجة الأولى. وأقعدني في غرفة للانتظار فيها مقاعد مريحة وخبّرني أن القطار يأتي بعد عشر دقائق، وودّعني لينصرف فحاولت أن أدسّ في يده مبلغاً من المال جزاء ما تعب بي فأبى واستنكر، بل لقد استكبر أن يأخذه وكاد يغضب، فتركته وأجزلت له الشكر وفارقته.

* * *

وأخذنا مكاننا في القطار، وسلك بنا طريقاً من أجمل ما عرفتُ من الطرق في حياتي، وكان يمشي على شطّ نهر الراين أرى منه النهرَ والسفن تجري فيه، والقرى والمدن على شطَّيه، والجبال الشَّجْراء من حولها ... منظر كان متعة للنفس وفرجة

<<  <  ج: ص:  >  >>