للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للنظر، لولا أني كنت منشغل الذهن أخاف أن أصل إلى حيث يجب أن أبدّل القطار فلا أتنبّه إليه فيمضي بي إلى بلد لا أعرفها.

ووادي الراين لمن عرفه من أجمل الأنهار، ولكن يد البشر ما مسّت شيئاً خلقه الله إلاّ أفسدته ومحت جماله ونقصت كماله. فقد سلّطنا عليه المصانع فلوّثت ماءه وعكّرت صفاءه، حتى إنني لمّا جئت بعد هذا بستّ سنين (سنة ١٩٧٦)، وكانت سنة قحط، وجدته -فوق ما حلّ به من البلاء- قد قلّ منه الماء وتلوّث وفسد حتى صارت رائحته تؤذي الناس على الشطّين. وكنت أرى في تلك السنة الغابات في الجبال تشتعل ولو لم تمسسها نار، من شدة الحرّ واحتكاك الجذوع أو مما لست أدري، وكذلك البلاء إذا نزل لا يُرَدّ. ولكن أين مَن يعتبر؟ بالأمس القريب أُعلن أن الشيوعيين سينشطون في خططهم في نشر الإلحاد ومحاربة الأديان، يحسبون أنهم يتصرفون في ملك الله، فأدّبهم الله بأدقّ خلقه، بشيء يبلغ من صغره أنها لا تراه العيون ولا بالمكبّرات والمجاهر: بالذرّة. فكان ما كان في تشرنوبيل، ولَعذاب الآخرة أشدّ لو كانوا يعلمون.

وما زلت كلما وقف القطار في محطة أسأل: أهذه مدينة كذا (١) التي يجب علينا أن نبدّل فيها القطار؟ فيقولون: لا. حتى إذا بلغتها جاؤوا فخبّروني (وقد سمعوني أسأل مرات) يقولون لي: هذه هي فأعدّ نفسك للنزول. ونزلنا من القطار، وأبواب القطار عادة عالية، لذلك يرفعون أرض المحطات حتى يسهل


(١) لا بد أنها كولونيا (كولْن)، فهي التي ينتقل فيها المسافر من قطار فرانكفورت إلى القطار الذاهب إلى آخن. وباسم هذه المدينة سُمّي ماء العطر (الكولونيا) لأنه صُنع أولَ ما صُنع فيها فنُسِب إليها (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>