فدرسَت وحدها لأنها لم تُكمِل في الثانوية دراستها، وأرشدها وأعانها زوجُها الذي كان أستاذها، والذي صارت به مدرّسة ومرشدة لرفيقاتها من البنات. وأنا أنصح من أراد أن يتقن علماً وكان عنده اطّلاع على أسسه ومعرفة بمراجعه أن يدرّسه، فإنه لا يقوّي طالبَ العلم ولا يُعينه على إتقان هذا العلمَ مثلُ تدريسه. لقد بلغَت -بجِدّها وإخلاصها في طلب العلم واتصال قلبها بالله واستعانتها به واعتمادها عليه- منزلة سلوا عنها مَن عرفها من بناتكم وأخواتكم اللواتي كنّ يومئذ في تلك الديار.
وأنا أحمد الله على ما وفّقني إليه، فكانت بناتي كلهن متعلمات، وكُنّ داعيات إلى الله دالاّت على الطريق إليه، من غير انتساب إلى جماعة ولا إلى حزب ومن غير طلب رضا أحد من العباد، لا يقصدن إلاّ طلب الرضا من الله الواحد الأحد. بنتي الأولى لم تكمل دراستها ولكنها جدّت وحدها بالمراجعة وفي الدراسة حتى حصّلت ما لا يكاد يحصل على أكثر منه من مضى في الدراسة إلى آخر الجامعة، والثالثة محاضِرة في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، ناجحة ولله الحمد، قامت بتدريس النحو والأدب وأصول الفقه والثقافة الإسلامية. ولتحصيلها قصةٌ عَجَبٌ أسردها لا لأنها قصة بنتي بل لأن فيها عبرة للناس ومثلاً يحتذونه؛ ذلك أنها تركت المدرسة مثل أختيها الكبيرتين قبل أن تتمّ المدرسة المتوسطة، وقضى الله أن تنفرد بنفسها وأن تقوم على تربية بنات ثلاث لها من غير معونة من أبيهن، فدرَست في بيتها حتى نالت شهادة الكفاية، ثم صبرت على الدرس وحدها حتى نالت الثانوية، ثم الإجازة الجامعية، وحملت بعد ذلك شهادة