ونحن إذ نجد هنا في المملكة بقعة خضراء فيها الشجر والزهر والماء نعدّها متنزَّهاً نتردّد عليه الصباح والمساء، أمّا تلك البلاد فحيثما سرتَ وجدت مثلها، بل تجد ما ليس له مثيل هنا، أمطار متصلة، سماء مفتَّحة الأبواب لا تكاد تخلو من سحاب، حتى إني رأيت فيها ما لم أرَه من قبل: طبقة رقيقة من الطحالب الخضر على جذوع الأشجار الضخام في الغابات، الغابات التي نجدها في كل مكان.
كنا نقف بالسيارة ونقعد حيثما شئنا على حافة الطريق فإذا نحن في نزهة، نأكل ما حملنا معنا من طعام ونشرب ما معنا من شراب، والناس يمرّون بنا فلا يلتفتون إلينا، والسيارات لا تغبر علينا، وما ثمة من غبار، ولا تزعجنا بزعيق لأن العرف أن تمشي صامتة. وإذا وقفنا عند الشارة الحمراء ثم انفتح الطريق وصارت خضراء لا يضع السائقون أصابعهم على أبواق السيارات، ومَن فعل عدّوا ذلك منه عدواناً على الآخرين ومسّاً بهم وإهانة لهم، ولا يفعلونه إلاّ في الندرة. ونظام السير في ألمانيا متين، تعرف قدره إذا خرجت من آخن على الحدود فسرت نصف ساعة بالسيارة حتى تصير في لييج، المدينة البلجيكية القائمة في نصف طريق بروكسل، فتدرك الفرق ما بين النظامين في بلجيكا وألمانيا.
وفي الطرق الكبرى (التي يدعونها «الأَوْتوبان» وفي فرنسا «الأوتوروت» ونسمّيها نحن «الأوتوستراد»، من كلمة «سترادا»، وهي طليانية ومعناها طريق)، هذه الطرق ابتكار ألماني من عهد هتلر، بدأ فيها ثم عمّ بلاد الناس، فقرّبت المسافات وأدنت البعيد وسهّلت اليسير، لأنها تمرّ قرب المدن ولا تدخل فيها فلا يعرقل