اختلفت الطرق. كلاهما يبتغي اللذّة ويهرب من الألم ويريد الربح ويفرّ من الخسارة، إنهم كسيارات انطلقت إلى غاية واحدة، ولكن الشيخ يسوق سيارته حذراً متمهلاً يترفق في السير ويجتنب المزالق، والشابّ ينطلق بها مسرعاً لا يبالي العقبات ولا تخيفه العوائق، لا يحوّل بصرَه عن غايته يقحم الأخطار ليبلغها عاجلاً. ثم إن الشيوخ غالباً وبعض الشباب أحياناً يُدخِل عقله في الحساب، فيوازن بين اللذّات ويقوّم الأرباح، فيحتمل الألم العاجل لبلوغ اللذّة الكبرى والخسارةَ القليلة لنيل الربح الوفير، لذلك يؤثِر آخرته على دنياه.
والإسلام كغيره من الدعوات، كان جلّ الذين استجابوا له وتمسّكوا به وذادوا عنه من الشباب. لا أعني الأحداث فقط، فرُبّ حديث السنّ قد شاخ قبل الأوان ورُبّ شيخ يحمل على عاتقه وقر السنين وله صفات الشباب. هذا أبو بكر يوم قُبض رسول الله عليه الصلاة والسلام كان قد جاز الستين، ولكن كل ما وصفنا به الشباب كان فيه: في صدق محبته للزعيم الذي اتبعه وهو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وعمق ولائه للمبدأ الذي آمن به وهو الإسلام، وما أورثه ذلك من قوة وجرأة لا نكاد نعرف لها مثيلاً حتى عند عمر القوي. لقد قلتُ في أحاديث مائدة الإفطار في رمضان هذه السنة وكتبت في صدر الطبعة الجديدة لكتابي «أبوبكر الصديق»(الذي مرّ على طبعته الأولى ثلاث وخمسون سنة)، قلت: إني ما وزنت عمر بعظيم من عظماء الأمم إلاّ رجح، لأنها إن كانت العظمة بالمزايا الشخصية أو بالسمات الخلقية أو بالأعمال الجليلة أو بالآثار الباقية لم أجد مثل عمر، ولكن إن جئت أوازنه بأبي بكر رجح أبو بكر، حتى في القوة والجرأة. وشاهدي على