لم نكن نعرفه، وفيها جَلوة النظر، فهي تطلّ بعلوّها على بسيط من الأرض ينطلق فيه البصر وتأنس النفس. فأكلنا طعاماً لا أقول إنه طيب (فما عندهم طعام طيب) ولكن يدفع الجوع ويغذّي الجسد.
ولمّا جئنا ننزل وجدنا المصيبة في النزول. فقد أعلنوا بالمكبرات أن وقت الزيارة قارب النهاية، ثم أعلنوا أنه انتهى، قالوا ذلك بلسانهم ولا نعرف نحن لسانهم، فلما جئنا ننزل إذا المصاعد والسلالم الكهربائية قد وقفت، وإذا أنا أمام سلّم من الحديد يكاد يكون قائماً فيه مئات من الدرجات، ما عددتها ولكن زاغ بصري لمّا نظرت إلى أسفلها. وخفت أن تزلق عليه رجلي أو أن يزيع منه بصري، وما ثَمّ حواجز (دَرابزين) أمسك بها ولا جدران أستند عليها، فرأيت الموت عياناً لأنني لا أستطيع أن أبقى في مكاني ولا يُسمح لي بالبقاء، والهبوط على هذا السلّم يكاد يكون هلاكاً محقَّقاً! ولولا أن أمسك بي بعض الناس وأعانني الله لَما بلغت الأرض.
وقد وقع لي مثل ذلك مرة في عمّان. وعمّان قائمة على أحد عشر جبلاً، وكنت يومئذ على جبل الحُسين، فأردت النزول ماشياً فسلكت درباً بين العمارات منحدراً، حتى إذا جاوزت ثلث الجبل لم أعُد أجد العمارات وبقي الدرَج وحده وليس على جانبيه شيء أستند إليه، فدارت بي الأرض وأحسست أنني واقع لا محالة، فقعدت على درجة منه أنتظر الفرج، فمرّ بي جماعة من الشبان فرجوتهم أن يمسكوا بيدي وقلت لهم: إنني كنت شاباً مثلكم أنحدر من أعلى جبل قاسيون في خطّ مستقيم أقتحم كل ما