أجد أمامي، يتدحرج الحصى والحجارة تحت قدمَيّ وأنا ماضٍ قُدُماً ويعترضني الصخر فأقفز عليه، ثم انتهيت إلى ما ترون. وأنتم سيأتي عليكم يوم تصيرون فيه مثلي، فأمسكوا بيدي حتى أدعو لكم يومئذ أن يأتي مَن يُمسك بأيديكم. فضحكوا وضحكت وأمسكوني.
وإذا كان الشيء بالشيء يُذكَر -كما يقول الناس- فلقد وجدت مثل هذا الموقف مرات، لا عليّ أن أعرض إليها فإنها ذكريات من الذكريات.
لمّا كنا في العراق ذهبت مع ثلاثة من الطلاب إلى إيوان كسرى في قرية سلمان باك (ومعنى «باك» في الفارسية الطاهر) أي أن مدينة الإيوان نُسي ملكها كسرى أنوشروان ودُعيت باسم سلمان لمّا شرّفه الله بالإسلام. وكان الناس يصعدون إليه على جدار من اللبِن متهدم، يمسكون باللبنة بأيديهم ويصعدون على التي تحتها بأقدامهم، واللبنات متينة مستمسكة فلا يُخشى عليهم أن تفلت واحدة أمسكوا بها. فلما بلغتُ ثلث الجدار صاح بي أحد الطلاب من تحت: التفت ياأستاذ حتى نصوّرك. فلما التفتُّ ورأيتهم على الأرض صغاراً كأنهم النمل وشعرت بنفسي معلَّقاً بين السماء والأرض لم أعُد أدري أين أنا. لقد دار رأسي وزاغ بصري، ولا أعرف إلى هذا الساعة كيف وفّق الله فنزلت.
وقد وقع مثل ذلك للأستاذ السنهوري باشا لمّا كان في العراق، وقد صعد إلى ظهر الإيوان ولكنه لم يعُد يستطيع النزول، واهتمّت به الحكومة لأنه كان ضيفاً عليها، ولم تكن هذه الطائرات