وكان الصفدي كلما نزل منزلاً من منازل الحُجّاج قال فيه شعراً هو في الغالب من الكلام المنظوم، فممّا قاله عن قبة يلبغا:
جئنا لقبّةِ يَلْبُغا ... والسيلُ فيها قد طغا
وكأنهُ مِنْ دمعِنا ... صبَّ المياهَ وفرّغا
ثم مشى من حيث يمشي القطار الآن فجاء «الكِسْوة»، وكان قدومه عليها في الشتاء، وهي على هضبة عالية يشتدّ فيها البرد، فقال فيها:
قاسيتُ في الكسوةِ بَرداً لهُ ... على توالي ضَعفِنا قسوَه
فقلتُ هذا عجبٌ كيفَ لا ... يذهبُ شرُّ البردِ بالكِسوه؟
ثم جاء «الصَّنَمَيْن»، وهي من أدنى قرى حوران وأقربها إلى الشام، فقال فيها:
يا بئسَ يومٍ مرَّ بالصّنمينِ لي ... جُرِّعتُ فيهِ مَرارةَ الآلامِ
لو كانَ في الصّنمينِ خيرٌ يُرتجَى ... ما كانَ يُلعَن عابدُ الأصنامِ
وقد نُقل مرة أستاذنا وصديقنا حسني كنعان رحمه الله إلى هذه القرية معلّماً فيها، فكتب عنها مقالات كثيرة وسمّاها «مدينة الأصنام الثلاثة»، يعني بالثالث نفسه! وله فيها حوادث طريفة جداً ليس هذا موضع ذكرها.
ثم رحل الصفدي مع الركب إلى بُصرى وقال فيها شعراً. وكانت بصرى على عهد الرومان مدينة كبيرة، وفيها مسرح روماني مدرَّج لا نظير له فيما بقي من مسارح الرومان، له درَج كامل ومعه