وجاء مؤلف هذا الكتاب يردّد النغمة المملولة ويعيد هذه الحُجّة الواهية، مع أن كتابه كله دعاية للنصرانية وأهلها، فلا يبصر في تاريخنا غيرهم. ومن نظر في عناوين كتابه رأى صدق هذا الذي قلت، فهذا فصل عن العرب النصارى في الدول العربية، وفصل فيه عهد عمر إلى بطريرك القدس، هذا العهد الذي نقضوه وخالفوه وطالبوا بما لهم فيه ونسوا ما عليهم. وكل عهد في الدنيا فيه واجبات وفيه حقوق، فهم يهملون الواجب عليهم في العهود كلها ويطالبون بأكثر من الحقّ الذي هو لهم فيها! وفصل عنوانه «مواقف مشرّفة» ذكر فيه منقبة صغيرة لقائد عربي قال إنه من النصارى، وأهمل مئات المناقب الكبار لقادة المسلمين. وتكلم في فصول أخرى عن رجال ما فيهم أحد من غير النصارى، كالبطريرك غريغوريوس حداد وإلياس الرابع وأمثالهما، وأهمل ذكر غيرهم ممن كانوا أجلّ منهم قدراً وأبقى ذكراً من رجال المسلمين. وتكلّم في فصول أخرى عن يوسف الحكيم وسليم جنبرت وحدهما لأنهما نصرانيان.
أفليست هذه هي الفرقة التي يقول إنه ينكرها ويأباها ويعلم أن الحقّ في سواها؟ يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.
وذكر معهما جُول جمّال، هذا الذي سُخّرت وسائل الإعلام كلها في مصر والشام لتعظيم ما عمل وصبّ الثناء على رأسه على هذا العمل، ولم يدّخروا في تعظيمه صورة ولا إليه طريقاً إلاّ أثبتوا الصورة وكبّروها وعبّدوا الطريق وسلكوها، فسُمّيت باسمه المدارس وأُدخلت قصته في مناهج الدراسة قبل أن يتحقق أحد منها أو يتثبّت من صحّتها.