مديرها نصرانياً وكان له زملاء من النصارى وكنا نبرّهم ونقسط إليهم. بل إن أستاذنا فارس الخوري ولّيناه رياسة مجلسنا النيابي ورياسة حكومتنا، ولم نأبَ ذلك عليه لأنه لم يكن على ديننا. ولا أقول إن ذلك جائز أو مشروع ولا أفتي بمثله ولكن أقرّر ما كان، وإن كان الأستاذ فارس الخوري قد مات -كما شهد من كان يصحبه وكما دلّت عليه القرائن كلها- مات مسلماً.
وجدت في هذا الكتاب سؤالاً لو ألقيناه نحن المسلمين لقاموا علينا وقالوا إننا نفرّق الجميع ونصدّع بناء الأمة الواحدة، ولكن قائله نصراني وذنب النصارى مغفور! كنا إذا تكلمنا في موضوع المسلمين والنصارى ولو في دفع تهمة عنا أو ردّ بهتان علينا أو شكوى من ظلم نالنا قالوا لنا: إنكم تفرّقون الجمع وتمزّقون وحدة الأمة وتُعطون المستعمر سلاحاً يحاربنا به. مع أننا عشنا نحن المسلمين مع النصارى واليهود قروناً طِوالاً ما شكوا يوماً من ظلم وقع عليهم منا أو حقّ لهم سُلب منهم بأيدينا أو بسببنا، بل إننا كنا نخالف في بعض العهود ديننا فنحكّمهم في رقاب المسلمين ونجعل لهم سبيلاً عليهم، وذلك محرَّم في ديننا.
حتى دخلَت أصابع الطامعين فينا الذين كنا نسمّيهم المستعمرين، وما هم إلاّ المخرّبين أو المستخربين (كما نسمّي المكفّرين بالمبشرين!) فصدّعَت هذه الأصابع وحدتنا. وجاء -من بعد- مَن يوقد نار الفتنة وهي مُطفأة ويوقظها وهي نائمة كمؤلّف هذا الكتاب (وأنا أعرفه حقّ المعرفة، وكان يوماً من الرؤساء في القضاء) فكتب كتابه هذا الذي حاول أن يجعل فيه النصارى أمة قائمة برأسها منبتّة عنا مباينة لنا، حتى إنه عقد فصلاً عنوانه «الملّة الأرثوذوكسية».