للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت مهنة الإنسان يَظهر أثرُها فيما يقول وفيما يكتب، وكان الأستاذ حنا مالك مؤلّف هذا الكتاب عاش حياته كلها في النيابة العامة حتى بلغ أعلى درجاتها، فإن كتابه مرافعة طويلة ولكن في قضية باطلة! والكتاب ينفع من يقرؤه من النصارى، وإذا كان يدعو ظاهراً إلى نبذ الفرقة فهو يعمل على تثبيتها، وهو يذكّرنا بأن النصراني -وإن عاش حياته كلها مع المسلمين، يخالطهم ويداخلهم ويجد المودّة والعطف والإكرام منهم، حتى يغرّهم منه لطفه ولينه فيخلطوه بأنفسهم ويعطوه من المناصب والمراتب والمزايا ما لا يعطونه لإخوتهم وأبنائهم- فإن ذلك كله لا يجعله (كما يبدو من كتابته لا مما أدّعيه أنا عليه) لا يجعله واحداً منا.

نحن قد نُبدي التعصّب ولكنا متسامحون، وغيرنا ممن يعيش بيننا يُظهِر التسامح وهو متعصب. ونحن في العادة نهرب من إثارة هذه الموضوعات، نُغمِض أعينَنا عنها وهي عن أيماننا وعن شمائلنا وهي ماثلة بين أيدينا، فهل نصير كالنعامة التي كذبوا عليها فزعموا أنها تدفن رأسها في الرمل، تظنّ أنها إن لم ترَ عدوّها فإنه لا يراها؟ وهي لا تفعل ذلك ولكنها فرية افتروها عليها، وهي لا تملك لساناً تردّ به عن نفسها، أما أنا فإني أملك بحمد الله لساني وقلمي.

لقد جاء في هذا الكتاب سؤال وضعه عنواناً كبيراً لفصل طويل هو: «هل النصارى كفار؟». إنه عنوان يُخيف كل راغب في وحدة الصفّ محبّ لدوام الألفة خائف من التصدّع والانقسام، لذلك نبتعد عنه. ولقد أُلقيَ عليّ هذا السؤال من قبلُ في مجلس كان فيه جمع كبير من قضاة الشرع والمشايخ ومن كبار رجال

<<  <  ج: ص:  >  >>