للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلها حكومة واحدة قوية عظيمة، ومشوا فيها في طريق التطوّر والرقيّ شوطاً ما مشت مثله حكومة في الدنيا، لا أستثني، لأن الذي قطعَته المملكة في هذا الأمد القصير لا تقطع مثلَه الأممُ في الزمان الطويل. وإنهم ليستحقّون مني أضعاف هذا الثناء، ولكن مشكلتي أنني من يوم نشأت كان يحكم بلدنا مَن ليس منا ولا طريقه من طريقنا، أي الاتحاديون خلال الحرب الأولى (ولم أقُل الترك، فالترك مسلمون خدموا الإسلام وأقاموا له دولة كانت ثالثة الدولتين الكُبريَين: دولة الأمويين ودولة العباسيين، وإن كانت براعتها وعبقريتها في الحرب والقتال أكثر من براعتها في الفكر والعلم. ولكن أعني الاتحاديين، أعني أنور وجمالاً وطلعت وجاويد وتلك الزمرة التي جاء أكثرها من الدونمة، وهم من نسل اليهود الذين أُخرِجوا من الأندلس. واليهودي هو اليهودي ولو بدّل ثيابه وملامح وجهه واستعمل أعقد وأصعب طرق التنكّر، أي الماكياج). ثم جاء الفرنسيون، وهم غرباء عنا لا دينهم من ديننا ولا لسانهم من لساننا ولا عاداتهم من عاداتنا. ثم دالت دول وتبدّلت وجوه وقلّ فيها من يمثّل الشعب الشامي في تمسّكه بإسلامه وبالصالح من عاداته؛ لذلك كنا نهرب من الثناء عليهم. واستمرّ ذلك حتى استقرّ في عقلي الباطن، على أن الحقّ أن الحكام هنا ليسوا كأكثر مَن عرفنا من حكامنا، فهم منا أنسابهم معروفة لنا وأبوابهم مفتَّحة أمامنا، وهم يحرصون ما استطاعوا على إسداء الخير لنا، فإذا منعني ما ذكرت من إعلان الثناء عليهم فإن كل عمل عملوه وكل طريق مهّدوه وكل معهد فتحوه إنما هو قصائد باقية في مدحهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>