للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نسيت أن أقول لمن لم يعرف حال القضاء في سوريا أنه مستقلّ لا دخل للحكومة فيه ولا يملك وزير العدل تعيين قاضٍ ولا نقله ولا عزله، وأن الأمر كله إلى مجلس القضاء الأعلى وهو مؤلَّف من كبار القضاة.

لمّا جاءني هذا الكتاب تردّدت كثيراً وأرِقتُ ليالي أفكّر وأوازن، ففي كل من العملين مزايا دنيوية ونفع للمسلمين أرجو عليه المثوبة الأخروية، فالقاضي الممتاز كالضابط الذي يقود الجند في المعركة، يأمر وينهى يعيش وسط المعمعة، يحسّ حلاوة النصر ومرارة الهزيمة، يحفّ به أتباعه يسألونه ويستأمرونه ويرجعون إليه، يعيش حياة كلها حركة ونشاط لا مجال فيها لكسل ولا ملل. والمستشار كالضابط الركن، يغلق عليه بابه مع ضباط الأركان، يرسمون الخطط ويُعِدّون للمعركة ويوجّهونها ولكن من بعيد، لا يدخل عليهم أحد ولا يراجعهم أحد، بل لا يكاد يحسّ بوجودهم. وللقاضي الممتاز مجال لسماع شكاوى الناس وإصلاح ما يمكن من الفساد، وله رياسة كثير من المجالس كمجلس الأوقاف، ثم إنه ينال علاوات فوق مرتَّبه، والمستشار يجد وقتاً يستريح فيه ويتفرّغ لأمور أخرى، فهو يكتب ويؤلّف ويبتعد عن مشكلات الناس.

ميزان كلما رجحت فيه كفّة طاشت الأخرى، ثم عادت هذه فرجحت وطاشت الأولى. وليس أصعبَ على الإنسان من التردّد؛ إني أشعر في مثل هذه الحال أن الأفكار تضطرب في رأسي حتى إنها تضرب جوانبه، فأحسّ الصداع في صدغي. فاتّبعت سنّة الإسلام، ففكّرت وأطلت التفكير ثم كنت أستشير، ثم رأيت أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>