أحببت أن أقول لكم إن المرء لا يحسّ بالراحة إلاّ إن جاءت بعد التعب:«أُعِدّتِ الراحةُ الكبرى لِمَن تعِبا». ولا يشعر بلذّة العطلة إلاّ بعد مشقّة العمل، فعطلة يوم للموظف المرهق تعدل في لذّتها عطلة شهر لمثلي.
وإذا شئتم مثالاً فتصوّروا مَن يمشي في الصحراء المنبسطة فلا يرى من حوله حيثما تلفّت إلاّ منظراً واحداً، ليس أمامه ما يأمل أن يصل إليه وليس وراءه ما يأسف عليه. ومَن يصعد في الجبال ويهبط الأودية، فهو يُسرِع أملاً بالمشهد الذي ينكشف له إن بلغ الذروة فينسى تعبَه بهذا الأمل الذي يأمُله، فإذا وصل إليه ووقف والتقط أنفاسه واستراح وتمتّع بهذا العالَم الجديد الذي أطلّ عليه وجد جزاء تعبه.
وأنا أظنّ أن في السامعين من يشكّ في هذا الكلام ويقول: كيف تكون الراحة متعبة؟ ولو جرّب مثل تجرِبتي لصدّق مقالتي. كالفقير الذي يعيش على الخبز والفول، إذا وضعتَه مرة على المائدة الحافلة في الفندق الكبير يجد فيها من اللذّة ما لا يجده من يُقيم دائماً في هذا الفندق ويأكل دائماً على هذه المائدة. ومن يمشي كل يوم على رجليه، إذا أركبتَه يوماً السيارة الجديدة الفخمة يشعر في ركوبها من المتعة بما لا يشعر به صاحبها الذي يركبها كل يوم.
فالعمل نعمة، إي والله، ومن أكبر النعم.
وأنا أعلم أن العمال المرهَقين الذين يضربون بالمعاول من الصباح إلى المساء والموظفين المتعَبين والمعلمين الذين يدرّسون