الحنفي مَن هو مثله إحاطة بما في الحاشية، والحاشية هي مرجع المُفتين في المذهب الحنفي من أكثر من مئة سنة، ولم أعرف مثله إلاّ قليلاً في علمه بالأصول وإحاطته بقواعده وتطبيقها على النصوص القانونية، وكان المحامون وبعض القضاة يرجعون إليه في ذلك.
وعرفت جماعة من المفتين العلماء في المذاهب الثلاثة، منهم مفتي الحنابلة الشيخ جميل الشطي رحمه الله ورحمهم. ثم انقرضَت هذه الطبقة من العلماء وخلف من بعدهم خلف ليسوا مثلهم، ولا أقول أكثر من هذا عنهم.
* * *
لم أكن أدَع على مكتبي قضية تبيت إلى الغد، بل كنت أنظر فيها وأكتب قرارها يوم وصولها، إلاّ في حالات نادرة تحتاج فيها القضية إلى الرجوع إلى كتاب لم يكن موجوداً في المحكمة أو سماع رأي خبير لا بدّ من انتظار الاجتماع به. وربما جاءت قضية في وسط النهار وقد تعبتُ وهممت بالانصراف فنظرت إليها فوجدتها معقّدة صعبة، فأدعها وأعود إليها من صبيحة الغد فإذا هي منبسطة هيّنة، وإذا ما توهّمته فيها من الصعوبة والتعقيد سببه ما كنت أحسّ به من التعب.
وقعت لي وأنا في محكمة النقض وقائع ليست من صلب عملي فيها ولكنها جاءت معها، ربما عُدت إليها فتكلمت عنها: منها أني حضرت حلقة الدراسات الاجتماعية التي تنظّمها جامعة الدول العربية، وكنت أحد ممثلي سوريا فيها. ومنها رحلتي مع