للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن لكل عصر وَثَنيّات، ووثنية هذا العصر المبالغةُ في تقدير العلم. إنهم يقولون كما قال الأولون: إنما أوتيته على علم عندي.

وما العلم؟ أليس العلم معرفة قوانين الله في الوجود؟ وما الذي عرفناه من هذه القوانين؟ وما الذي بلغه علم العلماء؟ كشفوا قانون الجاذبية، ولكن هل عرفوا ما هي الجاذبية؟ ودرسوا الكهرباء وآثارها وجعلوا منها علماً يُدرس في المدارس والجامعات، ولكن هل عرفوا ما هي الكهرباء؟ وعندهم علم يُدعى علم النفس يدرس أطوارها وأحوالها، ولكن هل علم أحدٌ ما هي النفس؟

إنهم لا يعلمون إلاّ ظاهراً من الحياة الدنيا. يقولون: "إن العلم قهر الطبيعة". وما أكذب هذه الكلمة؛ إنها وقاحة وافتراء وقلّة حياء، إن علومنا كلها كشف للأقل الأقل من أسرار الطبيعة التي طبعها الله عليها، فكيف نقهرها بهذه العلوم؟

{أَلَمْ تَرَ إلى الذي حاجَّ إبراهيمَ في ربِّهِ أنْ آتاهُ اللهُ المُلكَ، إذْ قالَ إبراهيمُ: رَبّيَ الذي يُحيِي ويُميتُ، قالَ: أنا أُحيِي وأُميتُ}. وما أحيا ولا أمات بعلمه ولا بإرادته، ولكن بقانون الله الذي وضع الأسباب للموت والحياة. فلما طلب منه ما يخالف قانون الله وقال له إن الله يأتي بالشمس من المشرق فَأْتِ بها من المغرب، بُهت الذي كفر.

ولمّا نُقل أول قلب من إنسان إلى آخر ظنّوا أنهم ذهبوا يخلقون كخلق الله، تشابه الخلق عليهم، وحسبوا أن الجراحة لمّا تقدّمت وارتقت تستطيع أن تضاهي خلق الله. وماذا يصنع الجرّاح إلاّ أنه يشقّ الجلد ويخيط الجرح، ثم يقعد ينتظر لا يصنع شيئاً؟

<<  <  ج: ص:  >  >>