ثم جاء بيت فيه حقيقة ننساها دائماً، وكان علينا أن نتذكّرها دائماً:
وللمستعمِرينَ وإنْ ألانوا ... قلوبٌ كالحِجارةِ لا تَرِقُّ
رحمك الله يا شوقي، لَهُمْ والله قلوب كالحجارة، ولكنهم يُلبِسون الحجارةَ ثوباً من ناعم الحرير فتخدعنا نعومة ظاهرها عن قسوة ما فيها.
* * *
أمّا صديقنا، بل أستاذنا خير الدين الزركلي، فليس من رجال شوقي ولا من طبقته، ولا أسلوبه من أسلوبه، على الرغم من أن شوقي آذاني بهذه القافية التي أحسّ كلما تلوت القصيدة كأنها مطارق تنزل على رأسي: دقّوا، دقّوا، دقّوا. رحمه الله، ما الذي جعله يختار حرف القاف من بين سائر الحروف؟
على أنه أحمد شوقي شاعر العرب، الذي لم يأتِ بعد أحمد المتنبي شاعر أشعر منه، ولا أحمد شيخ المعرّة صاحب اللزوميات. ولكني أفضّل هنا قصيدة الزركلي على قصيدته، لا أفضّل الزركلي ولا غيره عليه هو. الزركلي ابن الشام، ومهما كان البعيد فإنه لا يشعر بمأساة البلد شعور ابن البلد. وأسلوب الزركلي هنا أسلس وأليَن، وإن كان أسلوب شوقي أقوى وأمتن، وقافية شوقي كأنها الطريق الوعر فيه الحجارة والصخر، وقافية الزركلي كالسلسال الجاري والجادة المعبَّدة السهلة. والزركلي كان حيناً أشعر شعراء دمشق الأربعة، وإن كان قد انقطع عن الشعر من نصف قرن وانصرف إلى التأليف، فترك كتاباً من أعظم