و «نظام الإسلام». وكنت أول من درّس فقه السيرة (كما كنت أول من درّس الثقافة الإسلامية)، ولم يكن لها منهج، فوضعت لها منهجاً وسيّرت الطلاب فيه معي، وكان منهم مدرّسون في المدارس الثانوية ومنهم مَن هو في منزلتهم ومن أمثالهم. وبدأنا في تحقيق مصادر السيرة وتمييز الصحيح من أخبارها من الضعيف والموضوع، وكلّفتهم المشاركة في ذلك، فأعدّوا مباحث كان منها الطيب الناضج ومنها ما هو دون ذلك، وكان ما أعدّه أحدهم تصنيف رواة الطبري.
ونحن نرى اليوم أساتذة يُشار إليهم ويُعتمد عليهم يوثّق أحدُهم ما يورده من أخبار بأنه في تاريخ الطبري الجزء كذا والصفحة كذا. وليس هذا بالعزو العلمي بل ربما دلّ على جهل هذا الأستاذ، لأن الطبري صرّح بأنه يجمع في كتابه الصحيح الثابت وغير الصحيح وغير الثابت، ويُسقِط عن نفسه التبعة بذكر الراوي. وعلى من ينظر في كتابه أن يعرف درجات الرواة ومنازلهم من الضبط والعدالة، فإن منهم مَن لا يُعتمَد عليه ولا يُوثَق به (كأبي مخنف مثلاً ومحمد بن السائب الكَلْبي وأمثالهما). ولو أن هذه الرسالة التي كتبها الطالب في رواة الطبري طُبعت لنفعت الناس.
كان فقه السيرة علماً جديداً مستحدَثاً لم يكن فيه كتب فتعبتُ في إعداد المحاضرات التي ألقيها على الطلاب، ثم ألّف فيه بعد سنوات طوال أساتذة أفاضل كالشيخ محمد الغزالي، الداعية المعروف، والدكتور سعيد رمضان البوطي، وهو عالِم ابن عالِم، أبوه الشيخ المعمَّر الصالح مُلاّ رمضان. كما ألّف فيه غيرهما.