للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كامل، عطشنا وجُعنا وتعبنا، وبلغ منا التعب أني كنت أضع تحت رأسي وسادة أو شيئاً أجده أجعله كالوسادة، وأغفو من حين يلامس رأسي الأرض. لقد بتنا ليلة والله والعقارب تدبّ من حولنا، ولقد خفت منها ولكني لم أجد قوّة أستعين بها على قتلها. ورأينا النمر يحوم من حولنا، نمر كما قال الدليل، لا تحسبوه ثعلباً ولا ذئباً، لكن لم أجد قوّة أهرب بها من النمر!

واختلفنا في العودة، شأننا نحن العرب في كل أمر نعالجه مجتمعين فلا نخرج منه إلاّ متفرقين. فعدنا أنا والشيخ ياسين الرواف رحمة الله عليه في سيارة واحدة صاحبها السيد جمال الحفار، من دمشق رحمه الله وأخوه السيد علي، قطعنا البادية وحدنا في هذه السيارة على غير طريق. ما أكلت فيها من المدينة إلى دمشق إلاّ أُقّة (والأقة كيل وربع الكيل) من التمر شريتها من المدينة.

ولكن كل ليل معه نهار، وكل شتاء بعده ربيع، وكل شوكة إلى جوارها وردة، ومع هذه الشدة وهذا الهول الذي وجدناه في الصحراء وجدنا في الصحراء حسنات تكاد تمحو تلك السيئات: نسيم الليل الرخيّ الناعش الذي يُحيي الأرواح، وأن تستلقي فترى من فوقك السماء الصافية مرصَّعة بالنجوم، وأن ترى الفجر حين يشقّ أديمَ الشرق شقاً ثم يتمدّد عليه ويغمره بالضياء. هل يعرف سكان المدن ما الفجر؟ ومَن منهم رأى الفجر؟ وهل يراه مَن حبس نفسه في صناديق من الإسمنت تُشعَل فيها المصابيح الليل والنهار، حتى لا يفرّق أحدنا بين الليل والنهار إلاّ بالنظر إلى الساعة أو سماع الرادّ (الراديو)؟

لقد حملنا تلك المشاقّ كلها، ولكن ربحنا منها مشاعر

<<  <  ج: ص:  >  >>