لها ما هو ضروري لها، فإن من هذه الضروريات حجّ بيت الله، حجّة الفرض، إن كان يستطيع أن يضمنها لها.
ولكن فكّرت: كيف أذهب بها وأنا أعجز الناس عن النهوض بأمر نفسي في الحضر، فكيف أنهض بأمرها وأمري في السفر؟ وحِرتُ ماذا أصنع وفكرت فيمن يأخذ بيدي، في أخ مخلص لا يُشَكّ في إخلاصه قدير لا يُمارى في مقدرته، فوجدته؛ إنه الشيخ الصوّاف. فأبرقت إليه ليحجز لي مكاناً في فندق مصر في أجياد، ولكني استحييت أن أعود فأبرق إليه بوصولي، فوصلت مطار جدة بعد موهن من الليل (أي بعد منتصف الليل)، وكان في الطيارة جماعة من دمشق منهم من أعرفه معرفة ومنهم من كان بيني وبينه صداقة، فلما هبطنا من الطيارة شُغل كل منهم بأهله ومتاعه فلم يلتفت إليّ أحد منهم ولم يعرج عليّ، ووقفتُ كالأصمّ في الزفّة -كما يقولون- لا يُبدئ ولا يُعيد ولا يعرف له متجَهاً ولا مقصداً.
وأنا كما قلت لكم أُدعى إلى خطبة في مئة ألف أو يزيدون بلا استعداد لها ولا احتشاد لإلقائها فأقوم إليها لا أجد مشقّة فيها، وأكتب المقالة في نصف ساعة لا أحسّ صعوبتها، ولله عليّ أفضال لا أنكِرها وأعمال صعبة سهّلها لي وأقدرَني عليها، ولكني أعجز عمّا يستسهله الناس وأغرق في شبر ماء على حين أجد مَن يسبح في اللجّ العميق.
هنالك وقد كدت أصل إلى حافّة اليأس جاءني رجل لا أعرفه يسأل عني باسمي، وعند الضيق يأتي الفرج. فعجبت منه