للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستوضحته، وإذا هو رسول من عند وكيل للمطوفين معروف في جدة، اسمه أبو زيد، وكان نسيب كاتب عندنا في المحكمة في دمشق ذي نجدة ووفاء اسمه السيد كمال الأظن، فأبرق له ليساعدنا، فأخذَنا إلى مكتبه وأقعدنا وأتانا بالشراب البارد والقهوة الحارة، وبعث من يُنجِز لنا معاملاتنا. فلما رأى ذلك مَن كان في الطيارة معنا أقبلوا علينا بعد أن كانوا مُعرِضين عنا، وسألوه أن يدلّهم على السوق فبعث معهم من يدلّهم ويشتري لهم، فلما رأوا ذلك اشتروا على حسابه ما كانوا يحتاجون إليه وما ليسوا إليه في حاجة (ولم أعلم بذلك إلاّ بعد حين)، وأحضر لنا سيارات حملتنا إلى مكة فركبوا هم ونساؤهم وأولادهم معنا!

وكذلك يصنع الطمع وضعف الوازع الخلقي. رجل لا يعرفونه، لماذا يستغلّون كرمه؟ أنا المقصود بالإكرام كنت متحرّجاً أخاف أن أُزعِج الرجل أو أن آخذ منه أكثر مما ينبغي، وأحاول أن أتملص من قيود كرمه التي قيّدنا بها، وهؤلاء وجدوا طعمة فأكلوها لم يسألوا عن مصدرها (١).

فإذا كان في القراء من يعرف مستقَرّ السيد كمال، أو نسيبه هذا السيد أبو زيد، فليبلغهما أن ربع قرن مضى لم يُنسِني فضلهما، وأنني سأبقى ذاكراً لهما شاكراً حسن صنيعهما.

* * *

وكان معنا في الفندق بعض الشباب من جماعة الرئيس


(١) هذه الواقعة وبعض ما يأتي من أخبار حجة سنة ١٣٨١ سبق -باختلافات يسيرة- في الحلقة ١٢١ من هذه الذكريات (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>