للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصلنا إليه أنا وأهلي قُبَيل الفجر، وكنت أعرفه لمّا نزلت فيه في حجّتي سنة ١٣٧٣هـ، ولم يكن الطريق إليه من أول مكة ولا الطريق بينه وبين الحرم شارعاً واحداً عريضاً معبَّداً كالذي ترونه اليوم، بل كان بينه وبين الحرم عمارات منها دار البلدية فيما أذكر، وكان الطريق من شقّين عن يمينها وعن شمالها.

وصلنا فوجدنا الباب مفتوحاً، والبوّاب قاعداً على كرسيه ولكنه نائم. فأيقظته أسأله، فقال إنه ليس في الفندق أحد من القائمين عليه. قلت: إنني حاجز فيه غرفة، فمَن يدلّني عليها؟ فأجاب بنصف الجواب وأخذه النوم فأخذ النصفَ الثاني وأخذني معه إلى منامه، ورجع يحملني ويحمله إلى أحلامه، وأحسبه أكمل الكلام في وسط الأحلام. فيئست منه ورحمته، لأن من هؤلاء العمال من لا يمكَّن من النوم ليالي الحج.

والتاجر صاحب العمل الذي يسهر الليل كله يبيع ويشتري ويجمع النقود ويُحصي الأرباح لا يحسّ بالنعاس ولا يشعر بالتعب، ولكن العامل عنده يتعب. وليس الذي يُتعِب الناسَ العملُ ولكن يُتعِبهم أن يعملوا كارهين.

ورأيت أن الفجر قد اقترب فأخذت أهلي وذهبت إلى الحرم، وتركت حقائبي أمانة عند صاحب دكان كان في أسفل عمارة الكعكي، وكانت يومئذ تُبنى ما اكتمل بناؤها، قامت الطبقة الأولى والثانية منها. ووجدنا الحرم ممتلئاً فأممنا المَطاف وطفنا، وأذّن ونحن في الطواف فجاء من يأمر المرأة بالذهاب إلى مكان النساء. ونحن لا نعرف أين هو مكان النساء ولا نميز جانباً من الحرم من جانب، ولا نعرف شرقيّه من غربيّه ولا شاميّه من

<<  <  ج: ص:  >  >>