يمانيّه، فحارت زوجتي ماذا تصنع، وهي في وسط الرجال ولا تدري من زحمة الحجّ من أين تمضي، وكادت تُقام الصلاة.
وهذه مشكلة لا يدركها المقيم في مكة لأنه يعرف -كما عرفت أنا الآن- أركان الحرم، فإن ترك زوجته في مكان يعود إليها فيجدها فيه. أما القادم على مكة فتستوي الأمكنة كلها في نظره، لذلك أكرّر اقتراحاً ورد عليّ في برنامجي في الرائي (التلفزيون) وأؤيده، وهو أن تُرقَّم الأعمدة بأرقام ظاهرة. وما في ذلك من حرج ما دام لا يمسّ الدين وأحكامه، وما دام فيه نفع للمسلمين.
ولقد أضللنا مرة امرأة عجوزاً من أقرباء زوجتي، ضاعت في الحرم، وذهب أكثر من عشرين من إخواننا ومن نسائهم يفتّشون عنها فما وجدوها. وكيف يجدونها وقد ألقَت الأرض بأبنائها بين جدران الحرم فاختلط الناس وامتزجوا؟ وبقيَت ستّة أيام تشرب من ماء زمزم وتأكل مما يعطيها الناس، وهي من أسرة من الأسر الكبيرة الغنية الوجيهة في الشام. ولكن ماذا تصنع وكيف يجدها أهلها في زحمة الحجّ؟ فهل عند وزارة الحجّ والأوقاف أو عند لجنة أبحاث الحجّ حلّ لهذه المشكلة، التي تبدو لأكثر القراء من أهل البلد هيّنة أو لعلهم يرونها سخيفة مضحكة، ولكنها كبيرة مبكية عند أصحابها؟
* * *
أنا طالب علم اشتغلت بالتدريس دهراً، فقرأت أحكام الحجّ طالباً وأقرأتُها مدرّساً مرات لست أُحصيها. ولكن لما حججت أول مرة وجدت العلم الذي في الورق لا ينطبق دائماً على الواقع