للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محل، فماتت. فرثاها، ولكن لا بقصيدة من الشعر، وخلّدها، ولكن لا بصورة ولا تمثال؛ لقد رثاها فخلّدها بقطعة فنية من الرخام ما قال شاعرٌ قصيدةً أشعر منها، فهي شعر وهي أغنية وهي صورة، وهي أعظم تحفة في فنّ العمران، هي تاج محل. هذا البناء العجيب الذي أدهش بجماله الدنيا، وما زال يدهشها، والذي لان فيه الرخام لهذه الأيدي العبقرية فجعلت منه أجملَ بناء شيد على ظهر هذه الأرض بلا خلاف، ونقشته هذا النقش الذي لم يُعرَف نقش في مثل دقّته وسحره. هذا الذي يأتي اليومَ السيّاحُ من أقصى أميركا ليشاهدوه ويسمعوا قصته، وهي أعظم قصص الحب: لقد صدع موت هذه الزوجة الحبيبة قلبَ الإمبراطور، فزهد في دنياه لأنها كانت هي دنياه، وحقر ملك الهند لأنها كانت عنده أجلّ من مُلك الهند، ولم يعُد له أرب بعدها إلاّ أن يملص من حاضره ويوغل بذكرياته في مسارب الماضي ليعيش بخياله معها، ينشق عطرها ويستجلي جمالها، ويسمع خفيّ نجواها ويحسّ حرارة أنفاسها، ثم استحال حبُّه إياها حباً لهذا القبر الذي شاده لها فجُنّ به جنوناً، وصار يحسّ في برودته حرارتها، وفي جموده خطراتها، وفي صمته حديثها، إلخ (١).

وقد قرأت الكتابين اللذين وصلا إليّ مما ألفه والد السيد أبي الحسن، كتاب «نزهة الخواطر» الذي جمع فيه من سِيَر أعلام الهند ومَن نشأ فيها ما لم يجمعه كتاب غيره، فهو يُغني في هذا


(١) من مقالة «بقية الخلفاء الراشدين»، وهي في كتاب «رجال من التاريخ» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>