للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأن أقدّم كتابه، «الطريق إلى المدينة»، فلم أجد فيه يومئذ من المشقّة ما أجد اليوم لأنه موضوع محدود، وقد كنت سلكت طريق المدينة قبله حين جزعنا الصحراء سنة ١٣٥٣ ولقينا الأهوال ورأينا الموت عياناً، لمّا جئنا نكشف هذا الطريق الذي تسلكه السيارات اليوم آمنة مطمئنة، يقطعه راكبها مستريحاً مسترخياً يلفّه الهواء المبرَّد في الصيف والمدفَّأ في الشتاء، فيصل بعد يوم واحد من دمشق إلى مكة وقد قطعنا نحن هذه المسافة في ثمانية وخمسين يوماً!

امتثلت يومئذ الأمر وكتبت، وستر الله ومرّت القضية بسلام. أما الآن فأنا أمام حياة كاملة، وحياة مَن؟ حياة أبي الحسن النَّدْوي، الداعية الكاتب المحاضر الأستاذ الذي كان له في كل بلد إسلامي ذِكر، وله فيه أصدقاء ومعارف، وله فيه مآثر ومناقب. فمَنذا الذي يقدر أن يلخّص حياة أبي الحسن في مقالة؟ إلاّ الذي يجمع البحر في قطرة ويختصر الروض في زهرة. ولو كنت أسنَّ منه وكنت في بلده وشهدت بدايته لكتبت عنها، ولكن الذي بيني وبينه في العمر ستّ سنوات، ثم إن بيني وبينه ما بين الهند والشام. أين الهند من الشام؟

لقد كانت أول معرفتي بأبي الحسن من كتابه «ماذا خسر العالَم بانحطاط المسلمين؟». لمّا رأيت هذا الكتاب لم أكن أعرف مؤلّفه فقلت: من هذا الباحث الهندي الذي يكتب بمثل هذا الأسلوب العربي النقي ويُحيط بأحوال المسلمين هذه الإحاطة؟ ثم علمت أنه هندي المولد ولكنه عربي الأرومة، وكم من العرب الأقحاح الذين عُرفوا بألقاب فارسية أو أعجمية. ولو أن أحدكم

<<  <  ج: ص:  >  >>