للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد زرنا من مدن الهند أربعاً هي: بومباي وكلكتا ودهلي (التي يسمّيها الإنكليز دلهي بتقديم اللام) ولكنو. ولقد كنت أذكر اسم لكنو مرة أمام جماعة من أهل الفضل فما عرفها منهم أحد، فقلت لهم إنها مدينة أبي الحسن الندوي فعرفوها. فكيف تريدون مني أن أعرّف القراء في هذه المقدّمة برجل هو أشهر من بلده، حتى إنها لتُعرَف به قبل أن يُعرف بها؟

كنا أنا والشيخ أمجد كلما جئنا بلداً وجدنا مَن يستقبلنا فيها ويدلنا ويأخذ بأيدينا، فلما وصلنا لكنو وصلناها مطمئنَّين لأنها بلد صديقنا الحبيب أبي الحسن، فيها داره، ومن دخل بيت صديقه فقد دخل بيته. ولكنا لمّا وصلنا لم نجد في استقبالنا أحداً، لأنهم ترقبوا وصولنا بالقطار وانتظرونا في المحطة لم يقدّروا أن نأتي بالطيارة. ولم نكن نعرف لسان القوم لنكلمهم به فوقعنا في لُجّة ما معنا فيها سفينة، ولا نحن ممن يحسن السباحة، فكيف ننجو منها؟ كيف نُقيم في بلد لا نعرفه ولا نعرف فيه أحداً ولا نُحسِن النطق بلسان أهله؟ فرجعت إلى لغة الخرس، لغة البشر الأولين، بعد أن تفرّقوا في البلدان ونسوا الأسماء كلها التي علّمها الله أباهم آدم، وشرعوا يتعلمون النطق من جديد يُصدِرون أصواتاً يوضّحونها بإشارات، فإذا فُهم مرادهم منها وعادوا إلى مثلها استغنوا بالصوت عن الإشارة، فنشأت كلمات تراكم بعضها على بعض فكانت الألسن واللغات (١).


(١) هذا توفيق بين ما يذكرون من نشأة اللغات وما خبّر الله به في القرآن: {وعلّمَ آدمَ الأسماءَ كلَّها}.

<<  <  ج: ص:  >  >>