ومن الكلمات ما يُفهم في كل مكان، منها كلمة أوتيل (وإن كان الإنكليز يلفظونها «هُطِل» بضم الأول وكسر الثاني، ووقعت لي في هذا حوادث ستأتي عندما أتكلم في ذكرياتي عن الهند إن شاء الله). فلما قلت كلمة «أوتيل» وفهموا عني علمت أن مكتب شركة الطيران التي جئنا معها في فندق كبير في القسم الجديد من المدينة، الذي يُدعى إن صحّ ما أذكر «حضرت كنج». وكنج كما علمت هو النهر المقدس، ويمرّ من لكنو. وما عندنا نحن المسلمين شيء مقدس لذاته ولكن عندنا أمكنة وردت الآثار بأنها أفضل من غيرها.
وبلغنا الفندق، وكان من الفنادق الكبيرة، له غرف واسعة جداً وأمامها سطح أوسع منها يُطِلّ على منظر من أجمل المناظر التي رأيناها، تظلّله أشجار من أضخم ما رأيت في عمري من الأشجار، والقردة تلعب على أغصانها وتمرح فيها. ومن عجائب المناظر أن الوليد منها يتعلّق ببطن أمه ثم تقفز به القفزة الهائلة من غصن إلى غصن.
واستطعنا بالإشارة أن نأخذ أحسن غرفتين في الفندق. وصعدنا إليهما تحت الأمطار، وأمطارُ الهند كأمطار مكة، ولكنها لا تستمرّ مثلها ساعة أو ساعتين، بل استمر هطولها اليوم كله والليلة التي جاءت بعده. وأصبحنا من الغد والمطر نازل لم ينقطع ولم يخفّ ونحن محبوسان في الفندق، لا المقصد الذي جئنا من أجله حققناه ولا صديقنا الندوي وجدناه، فضاق صدر الشيخ أمجد وطفق يأمرني بأن آخذه إلى أبي الحسن، يكرّر الأمر يلين به تارة ويشتدّ به أخرى، يكرّره ثلاث مرات كل نصف ساعة!