وأنا حائر لا أريد أن أُغضِبه، ولا أعرف الطريق إلى أبي الحسن، ولا أعرف لسان القوم لأسألهم عنه، ولا أجد حولي من يفهم عني فيترجم لي.
فلما نفد صبره قلت: أنا ذاهب أفتّش عنه. وما كنت أدري أين أفتّش عنه في بلد كبير، فأخذت سيارة وأشرت إلى السائق أن يمشي بي، وأنا أتأمل وجوه الناس، والسيارة تلفّ الشوارع والعداد يعدّ عليّ، وكلما عرض لنا مفرق طريقين أخذت الأيمن منهما، لست أدري إلى أين يوصلني، واسم الفندق معي حتى إذا يئست رجعت إليه.
ما زلنا نمشي حتى لمحت وجه شابّ وقع في قلبي أنه مسلم. وللمسلم نور في وجهه يُدرِكه المسلم، فوقفتُ السيارةَ وأشرت إليه، فأقبل عليّ فقلت له: السلام عليكم ورحمة الله. فأجاب بلسان عربي متين: وعليكم السلام ورحمة الله. فقلت له: أتعرف أبا الحسن الندوي؟ وكان لقاؤه في تلك الساعة أحب إليّ من عطيّة كبيرة أُعطاها وكان هو طلبتي ومقصدي. قال وقد انطلقت أساريره وبرقت عيناه: نعم، وأنا من تلاميذه، فهل أنت الشيخ أمجد أو الطنطاوي؟ قلت: نعم، أنا الطنطاوي. فأقبل عليّ معانقاً ومرحّباً، وتعانقنا وتصافح قلبانا. وأذكر أن اسم الفتى كان عبد المحسن، أحسن الله إليه إن كان حياً ورحمه إن كان قد سبقنا إلى لقاء الله، وأخذني إلى الندوة.
أرأيتم الضالّ في الصحراء جوعان عطشان قد هدّه وبرّح به التعب وكاد يصل إلى حافّة اليأس، وإذا هو أمام مضارب أهله