للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحواضر ولقي الكبار والصغار، وعاش صدر حياته في قصر صدّيق حسن خان العالِم السلفي الأمير الكبير، أسكنوه فيه بعد موت أبيه، فذاق حياة الترف والنعيم ولكنه زهد فيها، فزُهده ليس زهد الحرمان، ليس زهد الجائع الذي لم يجد الطعام فوطّن نفسه على فقده، بل زهد الذي فقد شهوة الأكل والأكلُ أمامه؛ يحضر المؤتمرات، ولكنه يجتنب الفنادق الكبار التي يُنزِلون فيها الوفود وينزل في بيوت تلاميذه، وما أكثر هؤلاء التلاميذ.

وإذا كان مَن بنى حصناً أو قاد جيشاً عُدّ من العظماء، فأبو الحسن بنى للإسلام من نفوس تلاميذه حصوناً أقوى وأمتن من حصون الحجر، بنى أمة صغيرة من العلماء الصالحين والدعاة المخلصين. لقد تمنيت إن لم يُكتب لي أن أعود إلى دمشق، ودمشق وطني:

وحَبّبَ أوطانَ الرجالِ إليهِمُ ... مآربُ قضّاها الشبابُ هنالكا

وإن لم يُكتب لي أن أستمرّ بجوار بيت الله الحرام، أن أذهب إلى لكنو؛ لأنني عشت فيها أياماً قصيرة لكن ذكراها بقيَت عميقة في نفسي لا يمحوها كرّ السنين. مرّ عليها الآن ثلاث وثلاثون سنة ولا أزال أحسّ حلاوتها تحت لساني وطيبها في نفسي، لأني وجدت فيها الدين والدنيا، وجدت فيها أنس النفس وراحة الروح، وجدت المحبة تجمع بين أفرادها، ووجدت أبا الحسن قد أكرمه الله فاستكمل مزايا الداعية الإسلامي الذي نطلبه ونفتّش عنه.

وتحت يدي وأنا أكتب هذه المقدّمة محاضرة لي ألقيتها في مكة في موسم حجّ سنة ١٣٧٣هـ. وأنا في العادة لا أكتب

<<  <  ج: ص:  >  >>