تخفق فوقها أعلامها). كان ذلك لمّا تركنا أسباب عزّتنا وقطعنا الحبل الذي يربطنا بربنا، وابتعدنا عن ديننا فأبعد الله النصر والعزّ عنا.
رأيت عهداً كانت فيه بريطانيا العظمى –مثلاً- تحكم خُمس العالَم، لا تغيب عن أملاكها الشمس لأنها إن غابت عن قُطر طلعت في قُطر آخر، فعشت حتى رأيتها قد صارت من الدول الصغار، فقدت ما كانت تظنّه من البلاد باقياً لها، ضاعت الهند منها وكندا وأستراليا، فما بقي لإنكلترا إلاّ لندن وقسيمة من الأرض حولها، حتى هذه قد أخذَتها يوماً من أهلها غدراً ومكراً، كان أهل البلاد في خصام فاستنجد أحد المتخاصمين بقبيلتين جرمانيتين هما الأنكل والسكسون، فدخلوا فأنجدوه ثم قعدوا، فقال لهم: شكراً، في أمان الله. قالوا: بل نحن باقون، هذه بلادنا!
وكما أخذت هذه البلاد من أهلها أعطت بلاداً أخرى لمن ليس له حقّ فيها ولا يربطه بها نسب ولا يجمعه سبب؛ أعطت أشرف بلد بعد الحرمين لأخسّ أمّة بعد الأبالسة، أعطت اليهود فلسطين. لقد كان انهيار بريطانيا العظمى الذي شهدتُه في حياتي كما شهده لداتي أكبرَ من انهيار روما القديمة التي كان سقوطها نهاية القرون الأولى.
كما شهدتُ تفكُّك صرح الدولة العثمانية التي قامت على الإسلام فحكمها من لا يدين حقاً بالإسلام، بل يتظاهر به تظاهراً وهو له عدوّ، لمّا حكمها الاتحاديون فأضاعوها بسوء سياستهم وضعف عقيدتهم.