للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبنسائهم، أرادوا أن يُغرُوا بالمال السلطانَ عبد الحميد فخيّب أملهم وضرب وجوههم بأموالهم، فأعملوا فيه كيدهم ومكرهم، فسوّؤوا اسمه وشوّهوا صحيفته وافتروا عليه ونسبوا كل رَزيّة إليه، فجعلوه مثال الاستبداد والظلم يُحصي على الناس بالجاسوسية أنفاسهم ويُغرِق في مياه البوسفور كِرامهم. ونشأنا نحن على ذلك واعتقدته حيناً، لأن فريقاً من أساتذتنا (كخالي محب الدين، ومِن قبله بقليل محمد كرد علي) كانوا يميلون إلى القول به. وكل إنسان يُخطئ ويُصيب والعصمة من الله لرسله وحدهم. وأخذ ذلك أدباء النصارى فنفخوا فيه ووسعوه، وكنت مُقبِلاً تلك الأيام -كأمثالي من الشباب- على قصص جرجي زيدان وفيها هذه الفرية مدسوسة بين سطورها، كما دسّ فيها على الإسلام وعلى تاريخه، واستمرّ ذلك حتى حصحص الحقّ وأزهق الله الباطل.

ولقد نشر أخي الأستاذ سعيد الأفغاني في مجلة «العربي» على عهد الدكتور أحمد زكي (١)، رسالة من السلطان عبد الحميد نفسه إلى الشيخ أبي الشامات في الشام، أرجو أن يعود المعنيّون بالتاريخ إليها، فإنها وثيقة ثمينة جداً نادرة المثال.

سخّر اليهود إخوانهم من الاتحاديين فضعضعوا هذا البنيان وهزّوا صرح الخلافة، وأرادوا أن يمحوا شعار العربية عنها وأن يجعلوها تركية، ثم أدخلوا الدولة حرباً ما لها فيها شأن ولا لها منها نفع ووضعوها مع الفرقة الخاسرة، ثم جاء مَن نحر ناقة الله فأحل قومَه دار الخسار، فتفجّر هذا الكوكب الضخم فصار شُهُباً صغاراً.


(١) مجلة العربي، العدد ١٦٩ ديسمبر (كانون الأول) ١٩٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>