فسدّ عليّ مسالك الهرب حتى استسلمت وألقيت السلاح. وكانت جلسة استمرّت خمس ساعات، ولو استمرت خمسة أيام لَما مللتها ولا ضقت بها، لأنني وجدته قد نضج وكملَت فضائله وازدادت معارفه.
أمّا الشيخ حسن والشيخ عبد الرحمن فلم ألقَهما في قَدْمتي تلك إلى المملكة سنة ١٣٥٣هـ لأنهما وُلدا سنة ١٣٥٢.
* * *
وكذلك يغدو الإنسان في هذه الدنيا حديثاً بعده. ولكن الحديث عن هؤلاء الثلاثة يعبق منه العطر وترتاح له كل أذن ويصدقه كل سامع، وإذا ذكر فَقْدَهما المفاجئ قطر من عينه الدمع فشاركَت فيه كل عين وأسِيَ له كل قلب.
ما عرفت لهؤلاء الثلاثة كارهاً، فكأنهم وسعوا الناس بحسن الخلق ولين المعاملة، مع الاستقامة على طريق الحقّ. وإذا كانت ألسنة الخلق أقلام الحقّ كما يقول الناس، فإني لأرجو أن يكون هذا الكثير الطيب الذي كُتب عنهم شهادة عند الله لهم.
أنا ما كنت ألقى الشيخ حسن والشيخ عبد الرحمن عليهما رحمة الله مرتين في السنة، ولكني كنت مطمئناً عليهما اطمئنان الأخ على أخيه وهو بعيد عنه، فإن أصابته مصيبة شاركه مصابه وإن أنعم الله عليه نعمة فرح بها له.
ولم أكن أتوقع أبداً أن أقرأ خبر وفاتهما، لذلك صُدمت به لمّا سمعته، كما صدمني من قبلُ خبر وفاة الشيخ إبراهيم لمّا