للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت حلقات الدروس في هذا الجامع كثيرة، وكانت الحلقة الكبرى منها تحت قبة النسر يتولاّها أكبر علماء الحديث في البلد، وكان مدرّسها على عهدنا الشيخ بدر الدين الحسَني شيخ علماء الشام. وكانت حلقة الشيخ صالح تمتاز منها كلها لأنها كانت كالمدرسة الجامعة، فيها حديث وفيها قواعد في المصطلح وفي الأصول وفيها تاريخ وشعر وأدب، وكان الشيخ فصيح العبارة طلق اللسان كثير السجع، يأتي معه عفواً بلا تكلُّف بلهجته التونسية الجميلة.

وفي هذه الحلقة عرفت أول مرة الأستاذ سعيد الأفغاني سنة ١٣٣٨هـ، واستمرّت صحبتنا العمر كله ثم صار عديلي، جدّ زوجتَينا (والد أمّهما) الشيخ بدر الدين الحسني.

وقدّمت القول بأن الشيخ صالح كان شديداً فما كنا نحبّه ونحن صغار، فلما كبرنا وأدركنا مبلغ ما استفدنا منه من علم ومن أدب، بل ومِن دين ومن خُلُق، أحببناه. ثم ودّعَنا وهاجر إلى المدينة المنورة فكان مدرّس المسجد النبوي، وكان ذلك في الأربعينيات من هذا القرن الهجري، لأنني لمّا جئت المدينة في رحلتنا تلك من أربع وخمسين سنة كان قد مرّ عليه زمان وهو فيها.

وفي المدينة تزوّج (كما أظن) ووُلد له الفقيد الأستاذ عبدالرحمن رحمه الله، ومن قبله الأستاذ الطيّب الذي بلغ أعلى السلّم في الرتَب العسكرية، على علم وفضل وسعة اطلاع، أطال الله عمره. وله إخوة ما عرفتهم. وفهمت أن عمّ أمهم هو شيخنا وأستاذنا في المدرسة السلطانية الثانية في دمشق سنة ١٣٣٧هـ

<<  <  ج: ص:  >  >>