أما الأستاذ عبد الرحمن فلم يكتب إليّ يوماً إلاّ بخطه، وكان يصدّر رسائله بعبارات تدلّ على نبله وعلى أدبه لا على أني أستحقّها أو أني أهل لها.
ولولا أن الانكماش مستقرّ في طبعي وأن حب العزلة والهرب من المجالس غالب عليّ، ولو أني تعودت أن أغشى المجالس وأن أدنو من الأعلام لكتبت عنهما وعن غيرهما ما لا يكتب مثله كثير من الناس؛ ذلك لأنني مُنحت بحمد الله عيناً تلحظ وذهناً يحفظ وأذناً تلتقط وقلماً يعبّر، ولو أني تعودت مخالطة الرجال وغشيان مجالسهم التي كانت مفتوحة لي ترحّب بي لكتبت الكثير الكثير.
مرّ عليّ الآن وأنا أعمل في المملكة نحو ربع قرن، لو أني كتبت عن أيامها مفصّلاً لَما خلت نصف أحداثها من ذِكر وزير المعارف الشيخ حسن رحمه الله (الذي صار بعدُ وزير التعليم العالي) ووكيل الوزارة الأستاذ عبد الوهاب (الذي صار بعدُ وزير الحج والأوقاف) وصديقهما وصديقي الأستاذ عبد الرحمن رحمه الله.
وأنا قلما أزور أحداً، ولكنني زرت الشيخ حسن في داره في الرياض، ودعاني إلى طعامه فتلفّتُّ أجد المهرب فما استطعت، فأجبت، ووجدت في طعامه الشفاء لأنه رجل صالح كريم. وزرته في داره في الطائف وفي دار أمه في مكة، إلى جنب مسجد أبيه الذي جُدّد الآن رحمه الله ورحم أباه، وأشهد أنه كان من أبرّ الناس بأمهاتهم، وهذا من دلائل الصلاح. ولا نزكّي على الله