اليوم كما أزهقه بالأمس ويبقى الإسلام حتى تقوم الساعة.
إنه سيأتي على الناس زمان لو سألتَ ألفاً من أهله عن كارل ماركس وعن شارون وشامير لَما عرف واحدٌ منهم مَن ماركس ومن شارون وشامير. لا تعجبوا من هذا الكلام ولا تحسبوه أضغاث أحلام، فإن فيما مضى إشارة إلى ما سيأتي. ألم يكن القرامطة يوماً متسلطين على الناس يعيثون في الأرض فساداً؟ ألم يقتحموا الحرم على الحجاج فيذبحوهم مِن حول الكعبة ويأخذوا الحجر الأسود معهم، ولا يقوى أحد يومئذ على صدّهم؟ فمَن يعرف اليوم من هم القرامطة وما قصتهم؟ لقد محقهم الله من الأرض (وإن بقيَت بقيّة قليلة منهم تلبس غير ثيابها وتبدو للناس بغير جلدها). محقهم الله ومحا ذكرهم من الأذهان لمّا لبى المسلمون داعي الله وكسروا الأقفال عن قلوبهم، فتدبّروا القرآن ثم عملوا بما في القرآن.
وأنا ما جئت فيما ذكرته في الحلقة الماضية بشيء جديد، لأن كل جديد في الدين مردود، والدين كمل وما بعد الكمال إلاّ النقص. ولكني كنت أتحدث مع الأستاذ عبد الرحمن التونسي رحمة الله عليه عن الشام وعن العَراضات التي تخرج فيها في المناسبات، إذ يَقدُمُ القومَ واحدٌ منهم يُلقي عليهم قولاً يهتفون بعده بهتافات ألفوها وتعوّدوها، فيبعث ذلك الحماسة في نفوسهم ويوري نارَها في أعصابهم. فقال لي: لماذا لا تجعلون في التلبية من يصنع هذا؟ لا أن يعلّمهم كيف يلبّون، بل أن يبعث حرارة الإيمان في قلوبهم حتى يظهر أثرها على ألسنتهم. هنالك كان ما قلت لكم من أنني هتفت بإدارة الرائي (التلفزيون) في جدة وسألتهم: هل يسجّلون لنا هذه التلبية ثم يعرضونها على الناس؟