أسرارها! لقد تبيّن لي اليوم أني جاهل بها لأني لا أجد ألفاظاً تعبر عما في نفسي من الإنكار ومن الاحتقار، ولما لا أعرف كيف أعبّر عنه من المشاعر على ما يصنع أناس يقولون إنهم من البشر مع الأطفال والنساء في المخيمات في لبنان.
لقد كتبتُ من قبل في هذه الذكريات عن الخبيثَين بيغن وشارون، وقلت: ليكونا ملعونَين على كل لسان لعنة مسلسَلة في الذراري ممتدّة في الزمان، متنقلة في أصلاب الرجال وفي أرحام النساء، تتحوّل مرضاً في أجسامهم ما له دواء وقلقاً في نفوسهم ما منه شفاء. فما أقول عمّن يصنع بالأمهات وبالأطفال شراً مما صنع ذانك الشيطانان؟
يرى الطفل يذوب جسده كما تذوب الشمعة، وتغور عيناه من الجوع كما يغور النبع الذي جفّ مَعينه، ويمشي الموت في أعضائه فيموت ألف مرة قبل أن يصل إلى الموتة الأخيرة ... ماذا أقول عمّن يصنع هذا؟ لو قلت إنه وحش برّيّ لشتمت الوحش وأسأت إليه، لأن الوحش ربما رقّ قلبه ولانت نفسه وأدركه شيء من الشفقة والرأفة، فماذا أقول لمن خلقهم الله على صورة البشر ولكن حرمهم من تلك الرقّة التي ربما داخلت قلوب الوحوش؟
لو قرأنا مثل هذا الذي نرى عن طغاة القرون الأولى، من قبل أربعة آلاف سنة، لَما محَت أربعةُ آلاف سنة هذا الإثم ولَما غفرناه لهم بالتقادم ومرور الزمان.
ماذا أقول؟ أقول كلمة واحدة أبكي فيها على نفسي وأرثي بها قلمي. لقد كان لي قلم ربما رقّ حتى إنني لو وضعته على لهب