النار لأطفأها، وربما اشتدّ وحمي حتى لو رميت به أمواج البحار لأشعلها فجعلها ألسنة النار، ولو شئت لاستدررت به الدمع من عيون الجلاميد، ولو واجهت به أسلحة الظالمين لوقف وحده في وجوه الظالمين. فما لي اليوم قد شِختُ وشِبتُ وعجزت حتى صرت أرى هذا كله فلا أصنع شيئاً؟
أصخرة أنا؟ ما لي لا تحرّكني هذه الفواجع؟ أم أنه أدركني ما أدرك قومي من السبات فصرنا نُمسي ونصبح نائمين لا نسمع ولا نرى ولا يهزّنا مشهد ربما هزّ رواسي الجبال؟
لو أن مجرماً عدا على طفل رضيع فحرمه لبن أمه وثنّى بالأم فمنعها الطعام الذي جعله الله قواماً لحياتها وحوّله لبناً لولدها، لقامت على هذا المجرم الدنيا وزُلزلت به الأرض وتصايحت من حوله بالإنكار الألسنة والأقلام. فهل يكون الظلم المفرد جريمة والظلم الشامل بطولة؟ هل يكون:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تُغتفَر ... وقتلُ شعب آمن مسألة فيها نظر؟
ولكن أين النظر؟ لو كنا ننظر ونُبصِر لرأينا أن ما يحدث في المخيمات لم يصنع مثلَه نيرون ولا جنكيز ولا الذئاب في الغاب، ولا العقارب والحيّات في الشقوق والجحور! لقد أثبت العلم أن الثعبان لا يلسع إلاّ دفاعاً عن نفسه، وأن الحيّة ربما طلبت الدفء فدخلت في لحاف الإنسان وهو نائم فلا تمسّه إلاّ إذا تحرّك. وكذلك تصنع العقرب، تحسب أنه يريد بها الشرّ بحركته فتدفع بسمّها الشرّ عنها. والذئب لا يؤذي الإنسان ما لم يؤذِه الإنسان.