ما نقلتُه من كتاب، ولعلّ غيري قال مثله، ولكني لم أنقله عنه. وفهمت لماذا قال الشافعي رحمه الله:"لو لم يُنزِل الله من القرآن إلاّ هذه السورة لكفت الناس". سورة من أربع عشرة كلمة فقط جمعت فلسفة هذه الحياة وقوّمتها (ولا تقُل قيّمتها)، فقدرَت قيمتها وبيّنَت أن الخسران مآل كل من يحياها، ووضّحَت الطريق إلى اجتناب هذا الخسران. وكانت دستوراً للفرد وللجماعة وقانوناً للدنيا وللآخرة.
كل ذلك في أربع عشرة كلمة فقط، فهل تأذنون لي أن أقطع سرد ذكرياتي، وأن أقف وقفة قصيرة لعلّها أنفع لكم وأجدى عليكم من تلكم الذكريات؟ أقف لألخّص في كلمات ما كنت شرحته من قبلُ مرات عن هذه السورة، وإن لم يكن الكلام فيها من صميم الذكريات.
أقسم الله بالعصر. ونحن إنما نُقسِم بالشيء الذي نبالغ في تعظيمه وتقديسه، لذلك لم يَجُزْ لنا القسم بغير اسم الله وصفاته. ولكن الله يقسم ببعض مخلوقاته، لا تعظيماً لها بل تنبيهاً إلى بعض خصائصها ومزاياها لنستفيد منها. أَقسَم بالضحى والليل إذا سجى، لمّا انقطع الوحي عن رسول الله ‘ فثَقُل انقطاعه عليه واستعجل عودته إليه، فأفهمه الله بهذا القسم أن الله جعل لكل شيء موعداً، فالليل لا يأتي مع الضحى بل لا بدّ من انتظار موعد الليل. وأقسم بالتين والزيتون. لا اللذين نأكلهما كما قال بعض المفسّرين، فما شأن التين والزيتون اللذين نأكلهما بجبل الطور وهما ثمرتان وهذا جبل؟ ولكن الله أقسم بهما رداً على الكفّار الذين عجبوا أن يبعث الله محمداً في مكة ولم يعجبوا أن يبعث