للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطالما أنِستُ بهذه الدار كما كنت آنس بدار الشيخ محمد الصباغ الذي صار الآن دكتوراً، ولا أدري أيّ اللقبَين أحَبّ إليه: الشيخ أم الدكتور؟

وكان الطلاّب يسألونني في اجتماعي بهم في غير وقت الكلية، فسألني واحد منهم مرة عن قوله تعالى: {الرحمنُ على العرشِ استوى}، فقلت له: أليس القرآن قد نزل بلسان عربيّ مبين؟ قال: بلى. قلت: فالعربية إذن وُضعت قبل نزول القرآن؟ قال: نعم. قلت: ووُضعت لمعانٍ أرضية مادية، لأشياء رآها الإنسان من نبات وحيوان وجماد فوضع لها أسماء، بل إنها من تعليم الله لآدم حين علّمه الأسماء كلها؟ قال: نعم. قلت: حتى الكلمات التي تدلّ على معنى مجرّد لا تخرج من كونها أرضية مادية. فلما خبّر ربُّنا بأنه استوى على العرش لم نستطع أن نقول إنه ما استوى فننفي ما أثبته الله، ولا نرجع إلى المعنى القاموسي فنقول إنه استوى، أي قعد على العرش كما يقعد المخلوقات، لأن الله ليس كمثله شيء والخالق لا يُشبِه المخلوق. فلم يبقَ إلاّ أن نقول إننا نؤمن بأن الله استوى على العرش لا كما يستوي المخلوق على كرسيه، فلا ننفي ما أثبت الله، ولا نشبّه الله بخلقه، ولا نعدل عن المعنى الذي يفهمه العربي الأصيل لهذه الكلمة إلى معنى غيره، إلى آخر ما كان.

فلما كثرت الأسئلة، وكان قد جاء موعد المحاضرات، كُلّفت بمحاضرة فجعلت عنوانها «طريقة جديدة في تثبيت العقيدة» حضرها جمعٌ كبير من المشايخ والعلماء وأساتذة الكلية وطلاّبها كلهم، ولا أعمد إليها باختصار أو تلخيص فإنها نواة ما وضعته بعد ذلك في كتاب «تعريف عامّ بدين الإسلام» (الذي طُبع منه إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>