للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقمت في عمارة الكعكي عشرين سنة، فما رأيت من صاحبَيها تعدّياً أو ظلماً أشكوه منهما، ولا لمست فضلاً أو نبلاً أذكره فأشكره لهما. إنما وجدت الفضل والنبل حقيقة عند الشيخ إبراهيم الجفالي رحمة الله عليه. والثلاثة من كبار رجال المال والأعمال، ولكن الرجال إنما تتفاوت أقدارها بما قدمت من فعال.

وكان عملي في كلية التربية، وهي بنت كلية الشريعة. وكلية الشريعة في مكة أمّ الكليات كلها وأول معهد عالٍ أُقيمَ للناس في هذا البلد، وكانت بنتها، كلية التربية، قد بلغت في تلك السنة السنّ التي تستغني فيها عن الحضانة، فخرجت تستقلّ بنفسها وتسكن وحدها، فانتقلت نقلة واحدة من أقصى المدينة، من «الزّاهر» حيث كانت كلية الشريعة إلى «الحوض»، حيث لم يكن إلاّ بناء صغير أُقيمَ ليكون مدرسة ابتدائية فاستولَت عليه الكلّية وجعلَته داراً لها.

وكنتُ إذا جاوزتُ الشُّشَّة وبلغت دار الملك فيصل عليه رحمة الله فقد بلغت آخر العمران، الطريق عندها شعبتان: شعبة إلى اليمين تسلكها إلى الكلية في الحوض ثم تنتهي إلى عَرَفات، وشعبة إلى اليسار تمشي فيها إلى «الشّرائع» (١). وما بعد دار الملك فيصل رحمه الله (التي صارت الآن مقرّ إمارة العاصمة المقدسة) إلاّ الطريق يتمدّد وحده بين الجبال، حتى يصل إلى الثانوية العزيزية التي كانت تقوم منفردة في هذه المنطقة، ما معها غيرها وليس حولها من البنيان سواها. وكان قِبَلها جندي في غرفة صغيرة من الخشب كالتي يتخذها الحراس، قائمة في صلب الجبل يراقب


(١) الذي لا يعرف مكة لن يعرف ما هي هذه الشرائع والشُّشّة والزّاهر والحَوْض، وهي كلها أحياء من أحياء مكة المكرمة (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>