للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منّته وأخرج الفرنسيين وجندهم من الشام، لم يُبقِ منهم أحداً.

اذهبوا الآن إلى المزّة وادخلوا القلعة وأُمّوا (أي اقصدوا) الثكنة الحميدية، فإنه لا يمنعكم حارس وجهه يقطع الرزق ولا يردّكم ضابط فرنسي ولا تحجزكم سلك (١) ذات أشواك، وسيروا في طريق الصالحية فادخلوا قصر المفوَّض السامي الذي كان يتنزّل منه وحي الضلال على قلوب الخوَنة المارقين من طلاب الحُكم وعُشّاق الكراسي، فيكونون لربه عبيداً أذلّة وعلى أبناء بلدهم عتاة فَراعين مستكبرين، ولِجُوا قصرَ المندوب الذي كان ينصبّ منه بالأمس الموتُ الزؤام على من يدنو من حِماه، واسرحوا وامرحوا حيث شئتم، فالبلاد بلادكم.

(إلى أن قلت): اليوم يوم الجلاء. اليوم يبكي رجال «منا» كانوا يأكلون الطيّبات وينامون على ريش النعام من بيع ضمائرهم للأجنبي، على حين كان الناس ينامون على التراب ويأكلون الخبز اليابس. اليوم يبكي رجال حملتهم الخيانة فوضعتهم على مقاعد العزّ في أبهاء الحكومة فصاروا من كبار الموظفين. اليوم يبكي رجال كانت لهم في سجلاّت الاستخبارات أسماء فصاروا اليوم أيتاماً كالأَجْراء (جمع جرو) في المزبلة بعدما مات الكلب.

ولكن الشعب كله يضحك اليوم، وتضحك معه الدنيا. اليوم يضحك البلد بالزينات والأعلام، ويضحك بالليل بالأضواء والمشاعل، وتضحك المنائر بالتكبير، وتضحك الأرض والسماء. اليوم يرى الشاميّون الفرحة الكبرى التي تنقش ذكراها على قلوب


(١) السلك جمع سِلْكة، وجمع الجمع أسلاك.

<<  <  ج: ص:  >  >>