جاء. وكذب هؤلاء الزاعمون ولَؤُموا، أو فليخبروني: أجاهدت أمة -على ضعفها وقلّة عددها وعلى كثرة عدوّها وقوّته- مثلما جاهدنا؟ إن في مصر العزيزة تسعة عشر مليوناً (بتعداد تلك الأيام) وفي أندونيسيا ثمانين وفي الهند مئة وعشرين من المسلمين (قبل إنشاء باكستان)، ونحن لا نُعَدّ كلنا، بَدْوُنا وحضرنا رجالنا ونساؤنا، أكثر من ثلاثة ملايين (الكلام قبل أربعين سنة)، وقد ابتُلينا بفرنسا ذات الطيش والحمق والعدد والآفات.
فسلوا الفرنسيين: هل أرحناهم يوماً واحداً من يوم ميسلون إلى يوم الجلاء؟ أما ثرنا على فرنسا وكسرنا جيوشها في خمس مواقع؟ سلوا الجنرال ميشو القائد الذي حارب الألمان عند المارْن: أما أباد حملتَه مجاهدون منا ما تَعلّموا في مدرسة حربية ولا درسوا فنون القتال، وغنمنا عتادها كلها فلم يعُد من الحملة بعد معركة المزرعة إلاّ مئتان وخمسون جندياً فقط؟ سلوا الغوطة عن معارك الزور وعمّا صنع حسن الخراط. سلوا النَّبْك وجبالها، وحماة وسهولها، وجنرالات الفرنسيين عن بطولة مجاهدينا، إن لم أعدّهم اليوم فما يجهلهم أحد.
أما ضرب الفرنسيون دمشق، أقدم مدن الأرض العامرة، بالقنابل مرتين في عشرين سنة؟ أما أحرقوا حيّ الميدان وهو ثلث دمشق ودمّروه، فلم ينهض من كبوته إلى اليوم (أي إلى يوم كتابة المقال)؟ أما أضرموا النار في جَرْمانة والمَنيحة (المَليحة) وزبدين وداريّا وقرى أخرى لا يُحصيها من كثرتها العدّ؟