بالحجاب الكامل، حتى إن أختين لي وزوجتي كُنّ يذهبنَ إلى المدرسة الابتدائية بالملاءة السابغة وعلى وجوههن هذا النقاب، أي القماش المثقَّب الذي كان يُدعى عند العامة «المنديل». وأذكر أن دمشق أضربت مرة وأغلقت أسواقها كلها وخرجت المظاهرات تمشي في جادّاتها لأن وكيلة مدرسة دار المعلمات جاءت المدرسة سافرة (أي كاشفة الوجه)، وهذه الوكيلة هي بنت أستاذنا في كلية الحقوق، العالِم الجليل الذي ولي الوزارة مرات، شاكر بك الحنبلي رحمه الله.
ومن أدرك تلك الأيام من أهل الشام يشهد بصحة هذا الخبر، ومن هؤلاء الصديقُ رفيق العمر الأستاذ سعيد الأفغاني الذي يدرّس الآن في جامعة الملك سعود، وقد قارب الآن الثمانين من العمر، وإن هم افتقدوه -لا قدّر الله- فلن يجدوا بعده مثله، فهو المرجع في النحو والصرف.
* * *
ثم بدأ الصدع في الجدار والشقّ في الثوب، ثم اتسع الخرق على الراقع وامتد الصدع حتى كاد يهدد الجدار. وقد حدّثتكم في هذه الذكريات عما انتهت إليه مدارسنا على عهد الوحدة مع مصر عبد الناصر وما دخل عليها. كما حدّثتكم عن البنت التي دُعيتُ إلى تدريسها درساً خاصاً، وكانت صبية جميلة في السابعة عشرة وأنا شابّ أكاد أقول -لولا الحياء- إني كنت جميلاً في الرابعة والعشرين. وكان الدرس في الأدب العربي، وكان الموضوع هو شعر بشّار وأبي نُواس، وكان الكتاب الذي نرجع إليه هو «الأغاني»