الشبان مصيدة لاصطياد البنات. على أن البنت إن صدّته ما أقدم، وإن عبسَت في وجهه ما ابتسم. ولقد كان من الطالبات لمّا كنت أدرّس في الثانوية الأولى في الشام واحدة جمع الله لها الذكاء مع الجمال والمال، وكادت تكون مكمَّلة لولا شيء فيها من الزهو ومن الكبرياء. تركتُ التدريس ومرّت ثلاث سنوات فقط، فلمحتها مرة وأنا على قوس المحكمة بين الداخلات إلى الغرفة الثانية. وكانت في محكمتنا يومئذ في الشام غرفتان لكل غرفة قاضيها، وكان ذلك سنة ١٩٥٢، وكان معها أبوها، فوجدتُ أن من المروءة والوفاء أن أستدعي الأب أسأله عن حاله وحالها لعلّي أقدر أن أساعده أو أساعدها.
فدعوت به وجاءت البنت معه، وكان العهد بها أن وجهها المورَّد ينضح صحّة وشباباً وأن جبينها يعلو كبراً وترفُّعاً، وكان أبوها في العادة شامخ الأنف ظاهر الكبر معتزاً بمنزلته وغناه، فإذا أنا أراه لمّا وصل إليّ قد ذلّ واستكان، وإذا هي شاحبة الوجه غائرة العينين سعفاء الخدّين، كأنها لم تكن الطالبة التي عرفتها وكأنها كبرَت عشر سنين في هذه السنوات الثلاث. فسألتُ أباها ما شأنها وهل أستطيع أن أساعده بشيء؟ قال: شكراً. قلت: هل لكم دعوى؟ أي قضية؟ فسكتت هي وامتلأت بالدمع عيناها وأرخت حياءً بصرها، وقال هو: نعم، إنها دعوى تفريق، إنها تطلب الطلاق من زوجها. وأشار إلى رجل ما إن رأيته حتى عرفته؛ لقد كان خادماً في دارهما، وكان شاباً ناضر الشباب قويّ الجسد عريض المنكبين، فدخل الشيطان بينه وبينها حتى أوصلهما إلى الغاية التي يسعى إليها، فلم يجد أبوها إلاّ أن يزوّجه بها ستراً